من قصص المخلصين .. ؟؟
يروى أن عابداً كان يعبد
الله دهراً طويلاً فجاءه قوم
فقالوا: إن ههنا قوماً
يعبدون شجرة من دون الله
تعالى فغضب لذلك وأخذ فأسه
على عاتقه وقصد الشجرة
ليقطعها فاستقبله إبليس في
صورة شيخ فقال: أين تريد
رحمك الله قال: أريد أن
أقطع هذه الشجرة قال: وما
أنت وذاك! تركت عبادتك
واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير
ذلك! فقال: إن هذا من
عبادتي قال: إني لا أتركك
أن تقطعها فقاتله فأخذه
العابد فطرحه إلى الأرض وقعد
على صدره فقال له إبليس:
أطلقني حتى أكلمك فقام عنه
فقال إبليس: يا هذا إن
الله تعالى قد أسقط عنك هذا
ولم يفرضه عليك! وما
تعبدها أنت وما عليك من غيرك
ولله تعالى أنبياء في أقاليم
الأرض ولو شاء لبعثهم إلى
أهلها وأمرهم بقطعها!
فقال العابد: لا بد لي من
قطعها فنابذه للقتال فغلبه
العابد وصرعه وقعد على صدره
فعجز إبليس فقال له: هل لك
في أمر فصل بيني وبينك وهو
خير لك وأنفع قال: وما هو
قال: أطلقني حتى أقول لك
فأطلقه فقال إبليس: أنت
رجل فقير لا شيء لك إنما أنت
كل على الناس يعولونك ولعلك
تحب أن تتفضل على إخوانك
وتواسي جيرانك وتشبع
وتستغني عن الناس!
قال: نعم قال: فارجع عن
هذا الأمر ولك على أن أجعل
عند رأسك في كل ليلة دينارين
إذا أصبحت أخذتهما فأنفقت
على نفسك وعيالك وتصدقت على
إخوانك فيكون ذلك أنفع لك
وللمسلمين من قطع هذه الشجرة
التي يغرس مكانها ولا يضرهم
قطعها شيئاً ولا ينفع إخوانك
المؤمنين قطعك إياها!
فتفكر العابد فيما قال
وقال: صدق الشيخ! لست
بنبي فيلزمني قطع هذه الشجرة
ولا أمرني الله أن أقطعها
فأكون عاصياً بتركها وما
ذكره أكثر منفعة فعاهده على
الوفاء بذلك وحلف له فرجع
العابد إلى متعبده فبات فلما
أصبح رأى دينارين عند رأسه
فأخذهما وكذلك الغد ثم أصبح
اليوم الثالث وما بعده فلم
ير شيئاً فغضب وأخذ فأسه على
عاتقه فاستقبله إبليس في
صورة شيخ فقال له: إلى أين
قال: أقطع تلك الشجرة
فقال: كذبت والله ما أنت
بقادر على ذلك ولا سبيل لك
إليها قال: فتناوله
العابد ليفعل به كما فعل أول
مرة فقال: هيهات فأخذه
إبليس وصرعه فإذا هو
كالعصفور بين رجليه وقعد
إبليس على صدره وقال:
لتنتهين عن هذا الأمر أو
لأذبحنك فنظر العابد فإذا لا
طاقة له به قال: يا هذا
غلبتني فخل عني وأخبرني كيف
غلبتك أولاً وغلبتني الآن
فقال: لأنك غضبت أول مرة
لله وكانت نيتك الآخرة
فسخرني الله لك وهذه المرة
غضبت لنفسك وللدنيا
فصرعتك.
هذه الحكايات تصديق قوله
تعالى " إلا عبادك منهم
المخلصين " إذ لا يتخلص
العبد من الشيطان إلا
بالإخلاص ولذلك كان معروف
الكرخي رحمه الله تعالى يضرب
نفسه ويقول: يا نفس أخلصي
تتخلصي.
وقال سليمان: طوبى لمن
صحت له خطوة واحدة لا يريد
بها إلا الله تعالى.
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنه إلى أبي موسى
الأشعري: من خلصت نيته
كفاه الله تعالى ما بينه
وبين الناس وكتب بعض
الأولياء إلى أخ له: أخلص
النية في أعمالك يكفك القليل
من العمل.
وقال أيوب السختياني:
تخليص النيات على العمال أشد
عليهم من جميع الأعمال.
وكان مطرف يقول: من صفا
صفي له ومن خلط خلط عليه.
ورؤي بعضهم في المنام فقيل
له: كيف وجدت أعمالك
فقال: كل شيء عملته لله
وجدته حتى حبة رمان لفظتها
من طريق وحتى هرة ماتت لنا
رأيتها في كفة الحسنات وكان
في قلنسوتي خيط من حرير
فرأيته في كفة السيئات وكان
قد نفق حمار لي قيمته مائة
دينار فما رأيت له ثواباً
فقلت: موت سنور في كفة
الحسنات وموت حمار ليس فيها
فقيل لي: إنه قد وجه حيث
بعثت به فإنه لما قيل لك:
قد مات قلت: في لعنة الله
فبطل أجرك فيه ولو قلت:
في سبيل الله لوجدته في
حسناتك.
وفي رواية قال: وكنت قد
تصدقت بصدقة بين الناس
فأعجبني نظرهم إلي فوجدت ذلك
لا علي ولا لي.
قال سفيان - لما سمع هذا -:
ما أحسن حاله إذ لم يكن عليه
فقد أحسن إليه.
وقيل: كان رجل يخرج في زي
النساء ويحضر كل موضع يجتمع
فيه النساء من عرس أو مأتم
فاتفق أن حضر يوماً موضعاً
فيه مجمع للنساء فسرقت درة
فصاحوا: أن أغلقوا الباب
حتى نفتش فكانوا يفتشون
واحدة واحدة حتى بلغت النوبة
إلى الرجل وإلى امرأة معه
فدعا الله تعالى بالإخلاص
وقال: إن نجوت من هذه
الفضيحة لا أعود إلى مثل هذا
فوجدت الدرة مع تلك المرأة
فصاحوا: أن أطلقوا الحرة
فقد وجدنا الدرة.
وقال بعض الصوفية: كنت
قائماً مع أبي عبيد التستري
وهو يحرث أرضه بعد العصر من
يوم عرفة فمر به بعض أخوانه
من الأبدال فساره بشيء فقال
أبو عبيد: لا فمر كالسحاب
يمسح الأرض حتى غاب عن عيني
فقلت لأبي عبيد: ما قال لك
فقال: سألني أن أحج معه
قلت: لا قلت: فهلا فعلت
قال: ليس لي في الحج نية
وقد نويت أن أتمم هذه الأرض
العشية فأخاف إن حججت معه
لأجله تعرضت لمقت الله تعالى
لأني أدخل في عمل الله شيئاً
غيره فيكون ما أنا فيه أعظم
عندي من سبعين حجة.
ويروى عن بعضهم قال: غزوت
في البحر فعرض بعضنا مخلاة
فقلت: أشتريها فأنتفع بها
في غزوي فإذا دخلت مدينة كذا
بعتها فربحت فيها فاشتريتها
فرأيت تلك الليلة في النوم
كأن شخصين نزلا من السماء
فقال أحدهما لصاحبه: اكتب
الغزاة فأملي عليه خرج فلان
متنزهاً وفلان مرائياً
وفلان تاجراً وفلان في سبيل
الله ثم نظر إلي وقال:
اكتب فلان خرج تاجراً
فقلت: الله الله في
أمري! ما خرجت أتجر وما
معي تجارة أتجر فيها ما خرجت
إلا للغزو فقال: يا شيخ قد
اشتريت أمس مخلاة تريد أن
تربح بها فبكيت وقلت: لا
تكتبوني تاجراً فنظر إلى
صاحبه وقال: ما ترى
فقال: اكتب خرج فلان
غازياً إلا أنه اشترى في
طريقه مخلاة ليربح فيها حتى
يحكم الله عز وجل فيه بما
يرى.
وقال سري السقطي رحمه الله
تعالى: لأن تصلي ركعتين
في خلوة تخلصهما خير لك من أن
تكتب سبعين حديثاً أو
سبعمائة بعلو وقال بعضهم:
في إخلاص ساعة نجاة الأبد
ولكن الإخلاص عزيز.
ويقال: العلم بذر والعمل
زرع وماؤه الإخلاص.
وقال بعضهم: إذا أبغض
الله عبداً أعطاه ثلاثاً
ومنعه ثلاثاً: أعطاه صحبة
الصالحين ومنعه القبول منهم
وأعطاه الأعمال الصالحة
ومنعه الإخلاص فيها وأعطاه
الحكمة ومنعه الصدق فيها.
وقال السوسي: مراد الله
من عمل الخلائق الإخلاص
فقط.
وقال الجنيد: إن لله
عباداً عقلوا فلما عقلوا
عملوا فلما عملوا أخلصوا
فاستدعاهم الإخلاص إلى
أبواب البر أجمع.
وقال محمد بن سعيد
المروزي: الأمر كله يرجع
إلى أصلين: فعل منه بك
وفعل منك له فترضى ما فعل
وتخلص فيما تعمل.
فإذن أنت سعدت بهذين وفزت في
الدارين.