حديقة تحت الأرض
دقات حبات المطر على الشباك, ماذا تريد عند هذا المساء, هل أفتح لها لكن أخاف أن تبللني وأنا أشعر بالبرد قليلاً, ويبدو أن هذه الليلة ستكون طويلة, وقد جافاني النوم وبماذا سأفكر لأسلي نفسي العليلة, كنت دائماً أسمع كلمات ترفعني من العنة, وأنا كل ما أريده أن أكون ولو حجر في الجنة, وما كنت لأخاف عمري, والله تعالى كل ما خفته عمري, وذلك منذ بدأت أشعر بشيء غريب يحدث هنا, في هذا البيت وفي هذا المبنى, الذي يسكن في بالإضافة لنا بيت جدي وعمومي, إنها حركات غريبة وكأنها تبدو كخيوط مؤامرة تحاك ضد أحد ما, ولم أتخيل أبداً أن تكون ضدي أنا, بدأت أشتم رائحتها وكأنها تعطرني الآن, فبدأ الخوف يصبح رفيقي, أجل بدأت أخاف, وأنا لا أعرف ما الذي يجري وراء الضفاف, يبدو أن ثمة أنباء خرجت بشرها, وطارت حتى وصلتهم, ويبدو أنهم صدقوها قبل أن يصدقوها مني, ولم يكن ذلك يهمهم على أي حال, لماذا ألم أكن تربيتهم أم ذلك لم يكن معلوم, على أي حال من يكذب يرى الكل كاذب والباقي مفهوم, وبدأت الأحاديث تدور حول حقيقتها التي صدقوها فقط, واستبعد الجميع كذبها وظنها, وأقاموا الحد واتخذوا أمرهم, وشرعوا بوضع الخطة, وكأني أصبحت العدو الجبار الواقف عند الممر والذي بعد قليل سيأخذ عمرهم, وبعد طول مباحثات وتفكير واجتماعات, لاختيار المنفذ الصامت الشجاع, للمخطط الجديد وبكل اندفاع, الذي سيعيد رفع الرأس ويغسل العار بورق الجهل والغباء, فرسى الاختيار على حفيد, سيفعل ذلك ومن دون أي تردد ولا خوف ولا سؤال, سبحان الله تعالى القادر على كل شيء, في يوم التنفيذ كان عندنا مستعد للقيام بمهمته النبيلة, لكن ما حدث لم يتوقعه أي إنسان, ولن يصدق حدوثه أي كائن لا يخشى جبروت الله تعالى, فقد انهار المبنى الذي نسكن فيه والمؤلف من ثلاث طوابق, كيف ولماذا لا أحد يعرف, وفقدت الوعي ولم أعرف بما حدث وكيف حدث, ولم أشعر بأي شيء بعد ذلك, إلا عندما فتحت عيوني بصعوبة, وكنت في مكان آخر وكان قربي شخص لا أعرفه, فقلت أين أنا, قال في المشفى فالمبنى الذين تسكنين فيه قد انهار ومات الجميع, فقلت ولم أنا مازلت على قيد الحياة, قال لأنك تمنيت من الله تعالى أمنية أتذكرين, أجل أذكر تمنيت ألا أموت إلا وأنا أصلي كيف عرفت, فقال حسناً لا بأس عليك, الآن سيحقق الله تعالى لك هذه الأمنية, الله أكبر الله أكبر يا إلهي إنه أذان الفجر, قال أجل, فقلت يا فرحة قلبي هل ستكون صلاتي الأخيرة صلاة الفجر, أشكرك وأحمدك يا الله, قال هيا إلى الصلاة إذاً, لكن من أنت, قال أنسيتني أنا عملك, هيا.. هيا انهضي للصلاة اذهبي وتوضئي من هنا الحمام, دخلت لأتوضأ وعندما خرجت لم أجده, فدعوت له وشكرته من كل قلبي, وارتحت كثيراً ووقفت على سجادة الصلاة, أكاد أطير من سعادتي, وعند السلام الأخير سلمت الروح وأخذ الله أمانته التي أوزعها عندي طاهرة عفيفة, وحقق لي أمنيتي الوحيدة في حياتي, وما الغريب في ذلك, وهو الله الذي لا إله إلا هو التواب الرحيم القادر على كل شيء, سبحانه وتعالى له الفضل أحمده وأشكره على كل شيء, وعند طلوع الشمس دخلت الممرضة لتجهزني للرحيل الأخير, وعندما رأتني على الأرض صرخت بقوة فاجتمع الجميع عند باب غرفتي, ثم جاءت الطبيبة المناوبة والمسؤولة عني وصعقت عندما رأتني ميتة على سجادة الصلاة وقالت الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله, كيف تحركت أقسم والله أنها كانت على حافة الموت, وأنها كانت مشلولة تماماً, حتى أنها لم تكن تستطيع تحريك ولو إصبع يدها, ولا أمل منها لا مستحيل هذا مستحيل لا إله إلا الله, وبعد ذلك قررت الطبيبة أن تسأل عني وتعرف ما سر حكايتي, وسألت عني الجيران الأقرب إلينا, فقالوا لها لا يعرف بأمرها سوى مختار الحي, فذهبت عنده وسألته, فقال لها بعد تردد, ما كنت لأعلم بالأمر لولا أني سمعت بالصدفة اثنين من الأحفاد يتحدثان عنه, فقالت وماذا سمعت, قال لها أن ثمة خبر جاءهم عن علاقتي بشاب وأني تورطت معه وحملت منه أيضاً, فثار جنونهم وقرروا قتلي, دون حتى أن يتأكدوا من الأمر ولا حتى أن يسألوني, وفي يوم التنفيذ انهار المبنى هكذا فجأة ولم يعرف أحد كيف ولماذا, فسألته الطبيبة وأنت ما رأيك بالفتاة, قال وما أهمية رأي والله تعالى قد أنزل عقابه عليهم, وعدالته ورحمته عليها, إذاً كل ما في الأمر إشاعة أحيكت ضدي, وانتهت بالتدبير بقتلي, ومن أقرب الناس إلي, ألم يفتحوا القرآن أبداً ليقرؤوا الآية الكريمة , وقوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) صدق الله العظيم .... أم أنهم يفتحونه ليتفرجوا على صور الكلمات فقط, أجل لقد سألت عني بكل شوق وصدق وعرفت أن كل ما تمنيته في حياتي أن أسكن حديقة غناء عذبة بعدما يسكن جسدي تحت هذه الأرض المباركة بإذن الله تعالى, وأن أكون ولو حجر أو ورقة شجر أم حفنة تراب فيها, أجل إنها وبعدما عرفت قصتي, وحقيقة براءتي وحسن سيرتي, قررت أن تسير دربي, وأن تتمنى أمنيتي ..........